خواطر في أحداث موت يسوع وقيامته
بقلم الفريدو لاما

من منظار المذيع الإخباري الذي نعرفه اليوم (قبل موت يسوع):
لقد قام ليلة الخميس نخبة من الحرس النظامي الروماني يصطحبهم ثلة من مرسلي علماء الدين بإلقاء القبض على يسوع الناصري محرّض الفتن، الذي كفر بادعائه أنه ابن الله، وجروه الى مقر رئيس الكهنة قيافا في بيته لاستجوابه ومن ثم تم إحالته الى القضاء لدى حاكم الولاية بيلاطس. وقد تم أسره بعد نجاح الهيئات الاستخبارية في تتبعه واسترصاده بمساعدة المخبر المندس يهوذا الاسخريوطي. وقد رمي يسوع في دهاليز البيت مربوطا بالسلاسل وجُرّ لاحقا الى حاكم الولاية بيلاطس مع طلب الحكم عليه بالموت. ونظرا لعدم استطاعة العلماء الحكم عليه في ظل سلطان الولاية الرومانية صاحبة الفصل، حيث كان من المقرر رجمه حتى الموت، فقد ترك القول الأخير الى الحاكم الذي قرر صلبه في الجلجلة مع المجرمين من القتلة واللصوص.



من منظار المحلل السياسي (عند صلب يسوع):
لقد حمل الناصري رسالة اجتماعية عظيمة وكان يساعد المنكوبين والمرضى والجياع والمساكين. ومع أنه نجح في إثارة الشعب المكوب ضد الفساد حيث كان ضالعا في الفلسفة والمنطق وعلم النفس إلا أنه لم يكن دبلوماسيا أو سياسيا محنكا. هذا واعتبره أتباعه بأنه ابن الله لعظمة أفعاله. فقد قيل أنه صنع المعجزات وشفى الكثيرين. ولكن ماذا نفعه كل ذلك فقد فشل في إنقاذ نفسه رغم قوله بأنه يستطيع هدم الهيكل وبناءه في ثلاثة أيام. لقد كان فشله في رسالته وفي ثورته ذريعا أمام حشد علماء الدين وقادة الشعب وكانت ذروة هذا الفشل الحكم عليه بالموت صلبا مع المجرمين واللصوص.

من منظار المؤرخ (بعد موت يسوع وقيامته):
لقد تحمل هذا الرجل أقصى أنواع العذاب الذي لا يستطيع أي من البشر تحمله. وبالرغم من كل عذابه وآلامه لم يفتح فاه، هذا الثائر الذي التفّت من حوله حشود الشعب الرازخ تحت ظلم العبودية وظلام الحالة الاقتصادية لم يقاوم ولم يجمع حوله قوات تحرير ولا جنود. لقد سيق كالشاة الى الذبح ولم يتظلم أو يعنّف أحدا. أذكر أنه قال يوما: "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتَمُت بقيت وحدها، وإذا ماتت أخرجت حبا كثيرا" (يوحنا 12). لقد صنع المعجزات في حياته وعند موته تزلزلت الأرض وأظلمت وبعد قيامته ظهر للعديد من تلاميذه الذين من بعده حملوا البشارة الى الأرض كلها. لقد كان هذا الرجل عظيما فوق كل طاقة أرضية وزمنية ولو لم يكن كذلك لما آمن به الملايين ولما احتملوا أمر التضحيات حتى الموت من أجل رسالته.

من منظار القديس بطرس الرسول:
"أننا لم نتبع خرافات مصنّعة إذ عرّفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه بل قد كنّا معاينين عظمته". (2بطرس 1: 16)

من منظار علم الاجتماع والنفس والفلسفة:
إن الموت ليس الفشل بل هو حياة في حد ذاته وذلك وفق مثال حبة الحنطة وإنه يعطي ثماره من حيث النمو والتكاثر ومن حيث الأفق الروحي فالذي يموت من أجل مبادئه يحيى فيه أتباع كثر. ولأن مبدأ الفضيلة لا يتبع الأحاسيس الجسدية لذلك فإن الأنسان يجب أن يميت شهواته ولو أدى ذلك الى تألم الجسد وموته، ذلك كي يجعلها تُنمي فيه الفضائل التي بثباتها في المجتمع ترقى به وبرفعته الى قمة الكرامة الانسانية. وقد أثبت موت يسوع أنه حياة من حيث كثرة أتباعه في العالم.

من منظار فلاسفة اللاهوت:
قال مار اسحق : "النفس موضوعة بين الجسد والروح، فهى إما تتحد مع الجسد وتتعاطف معه ضد الروح، وإما تتحد مع الروح وتتعاطف معه ضد الجسد. وهكذا تكون النفس إما جسدانية وإما روحانية. لأن الكتاب يقول إن الجسد يشتهى ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون النفس هى القاعدة التى تصدر عنها العواطف والتى تحوى الحياة الجسدية. الروح هى القاعدة التى تستقبل التأثيرات الروحية وتعبر عنها ، والتى تتصل بالله وتحبه".

وأخيرا، عزيزي القارىء، فإن في الموت حياة وليس فشل وهذا ما تؤكده لنا النظريات الطبيعة كافة وأكده لنا أيضا ربنا يسوع المسيح في حياته وفي موته وفي قيامته.

لذلك لا تلوم الله ولا تنكر عدم وجود الروح. فقط عليك أن لا تعتبر التحديات ولا الأحداث ولا الألم ولا الفقدان ولا الأحزان ولا الموت فشل لك بل كلها سبيلك الى الحياة، "لأن من أحب نفسه خسرها ومن أنكر نفسه في هذا العالم حفظها للحياة الأبدية". (يوحنا 12: 25)

الفريدو لاما – 30.03.2015




يا امرأة هذا ابنك! هذه أمك
بقلم مادلين فرنسيس

هي وصية غالية قبل موته على الصليب: يا امرأة هذا ابنك! هذه أمك" لتصبح مريم أما̎  لكل البشر- و كل البشر أبناء مريم.


كان قرارا ̎ صعبا بمستوى خوفه علينا - و كانت استجابتك مريم بمستوى حبك للبشر، و نسيت في تلك اللحظة جلاديه و قاتليه، و بكيت الجميع، بكيت عذابه و موته، و بكيت جهل البشر و حقدهم الأعمى فقتلوا مخلصهم. بكيت الضحية و الجلاد لأنك أم الجميع!

و تتكرر هذه الوقائع كل يوم. تتجدد أخطاِؤنا، فيتجدد عذابه، و أنت تلتزمين عهد الحب: أنتم أبنائي.

كيف لنا أن نفهم حبك و كيف لنا أن نسبر عمق أمومتك؟

أما آن للأبناء أن يتمثلوا أمهم؟

أين حنانك من قساوة قلوب البشر؟

أين و فاؤك من تقلبات آرائهم وفق مصالحهم؟

أين تضحيتك، لا يثنيها ألم و لا تقيدها حدود من أنانيتهم تسجن اهتمامهم داخل ذواتهم.

و في عودة الى الذات، في وقفة حنان بين يديك، نعترف بذنوبنا و نرى الحقيقة، كيف نتخطى أحزانك و نمعن في أنانيتنا، و نتجاهل وعودنا المتكررة لك بالصفح و الحب و الغفران.

نرجوك يا مريم، أعطنا أن نكون أبناءك حقا نحب، و نتحمل و نضحي دون تذمر.

أنت أمنا أنت هويتنا، تتعدد أسماؤنا و عائلاتنا، تختلف آراؤنا و الحكم أنت.

نحن أبناؤك فلا نخاف، بفعل الأمومة نسرع اليك و لو مذنبين بفعل الحب نجثو بين يديك واثقين.

تحاصرنا الأزمات و المشاكل، تستبد بالأرض الأنانية و الأطماع، و ينتشر الفساد في المجتمعات، أنت شفيعتنا و ملاذنا، أطلبي لنا يا مريم.

أطلبي لنا من يسوع الحب و التعاون و السلام في عائلاتنا و في وطننا.

أطلبي لنا يا مريم النعم من يسوع فيستجيب بهمسة منك. امتلأت الخوابي خمرا ̎ في عرس قانا، فما عساه يفعل لو رأى دمعة تجول في عينيك؟ 

وعدا ̎ يا مريم سنعمل جاهدين لنستحق أمومتك

وعدا ̎ يا مريم أن يكون رضاك همنا، و كنيستك ملجأنا، و حبك شعارنا، و مهما قست ظروف الحياة، ما همنا نحن أبناؤك، و أنت رفيقة دربنا في الجهاد و العذاب، و في الألم و الموت و في مجد القيامة.